منتدى اللمة العربية
منتدى اللمة العربية
منتدى اللمة العربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اللمة العربية

منتدى الوحدة والاخوة العربية تعرف على العرب من قلوبهم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
تصويت

 

 تابع

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
اميرة الضلام
عضو نشيط
عضو نشيط
اميرة الضلام


عدد المساهمات : 196
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 19/06/2010
العمر : 31

تابع Empty
مُساهمةموضوع: تابع   تابع Emptyالخميس أغسطس 26, 2010 2:44 pm

هل يبقى مكانه لحين وصول الشرطة أم يهرب؟
لم يكن أمام مروان إلا لحظات ليفكّر ويقرّر. سيصل رجال الأمن حالاً. هذا كان داعياً لأن يشعره بالأمان... بعكس ذلك، زاد تفكيره في ذلك من توتره وقلقه.
كل ما قام به اليوم دفاع عن النفس وقضيته مضمونة تماماً. لكن هل هذا يكفي؟ هو مطارَد وأياً كان مطاردوه فهم يعرفون كل تحركاته جيداً. عرفوا أنه في مونت كارلو، وعلموا أنه يقيم في فندق ميريديان، برغم أنه استخدم اسماً غير اسمه لحجز الحجرة بالفندق. علموا أنه جاء ليقابل رفيق رمزي، وعرفوا وقت المقابلة تماماً، وأين ستتم بالتحديد. اكتشفوا السيارة التي سيستقلّها، والمصعد الذي سيستخدمه، والطابق الذي سيغادره إليه. كيف استطاعوا ذلك؟ كيف علموا ذلك كله؟
وحتى لو لم يكن مطارديه على اتصال بجهات الأمن في أوروبا، والشرق الأوسط، والاستخبارات الجنائية بها، الغريب أنهم كانوا دائماً يتبعونه عن قرب وبسرعة. من يستطيع أن يلاحقه ويكون في أثره بهذه الدرجة من الدقة، ويتبعه خطوة خطوة هكذا؟ قليلون جداً الذين يعرفون ما كان يخطط له ويرتبه لرحلته هذه. التفكير في هذه الزيارة وتنفيذها تم في أقلّ من ثمان وأربعين ساعة.
فكر مروان في أن يحاول العثور على سيارة الأجرة التي جاء بها إلى الفندق. قد تكون ما تزال في انتظاره أمام الفندق ولم يهتم السائق بكل ما حدث من اضطراب في الشارع. أولم تبعده شرطة المرور؟ أولم يشعر بملل من الانتظار؟ لو حدث ذلك فسوف يعتبر مروان هذا علامة من الله أنه يجب أن يهرب ويتجه إلى ميلان ومنها إلى روما ويلحق بأخيه في بيروت بأسرع ما يمكن. أما إذا لم يجد السائق في انتظاره، فستكون العلامة أمام مروان أن يبقى، وأن مصيره قد تحدّد فيذهب إلى الشرطة، ويقبل كل ما يحدث تبعاً لذلك.
لو كان لديه بعض الوقت لدبّر خطة أفضل، لكن كل ما أمامه الآن ثوانٍ قليلة.
وضع مروان المسدس في جيب سترته، واندفع داخلاً الغرفة، وأغلق الباب، واتجه إلى دورة المياه. صبّ الماء على وجهه، وغسل يديه، ومسح الدم من شعره، ثم بلل منشفة ونظف الجرح الغائر في كتفه من الدم. فحص الإصابة فوجد أن سترته الجلدية امتصت عنف الطلقة إلا أن الرصاصة ثقبت كتفه ومزّقته. لا بدّ من تدخل طبي لعلاج الجرح وتضميده، وإلا أدّى ذلك إلى التهاب الكتف وما يتبع ذلك من مشكلات خطيرة؛ وهذا يحتاج إلى وقت ولن يستطيع أن يفعل شيئاً الآن. ابتلع بعض الحبوب المسكنة للألم وجدها على رف قريب، ثم طوى منشفة ووضعها تحت سترته على كتفه المصاب، وألقى بالمناشف الملوّثة بالدماء في الحوض. ثم أخذ حقيبة ملابس خاصة بالعروسين من خزانة قريبة من الحمام، واندفع خارجاً من الباب الخاص للخروج في حالة الطوارئ. أخذ يقفز السلالم نازلاً إلى الدور الأول، وتسلل من باب الفندق الجانبي. خرج إلى الشارع في نفس الوقت الذي وصلت فيه أول سيارة شرطة. رأى ضابطان يقفزان منها ويدخلان ردهة الفندق. وجد سيارة الأجرة التي أحضرته منذ قليل تنتظره على بعد أمتار من الفندق. انطلق نحوها بسرعة وفتح الباب الخلفي ودخل. ما أن استقرّ على المقعد حتى قال بالفرنسية للسائق:
"إلى المطار من فضلك."
إلا أن الرجل لم يتحرّك. أعاد مروان طلبه باللغة الإنجليزية لكن لم يتلقّ رداً. ظن أن السائق نائم، فمال نحوه وهزّ كتفه، وهنا رأى الدم. قُتل السائق بطلق ناري في الجهة اليسرى من صدره.
قفز مروان من السيارة والتفّ حولها مشهراً مسدسه. تلفّت ودار بنظره يفحص الشارع، والساحة، والمدخل الأمامي للفندق، فلم يجد أحداً لكنه سمع مزيداً من صفارات سيارات الشرطة تقترب.
ماذا معنى هذا؟ ما هي العلامة التي أمامه الآن؟ لديه سيارة لكنها بلا سائق. هاجمه خاطر أفزعه! بصماته الآن على كل شيء في السيارة. على الباب والمقعد والسائق. إذا هرب الآن فسيتهمونه بقتل الرجل، ويصدرون الأوامر بتعقّبه، وإلقاء القبض عليه، وسوف تكون في ذلك نهايته؛ النهاية لشركته وأعماله وسمعته وكل شيء. لن تقوم له قائمة بعد ذلك، فرجال الأعمال والأغنياء لن يستعينون لحمايتهم برجل متهم بالقتل حتى ولو لم تثبت إدانته.
لا بدّ أن يهرب. الهرب أفضل من البقاء؛ ذلك يتيح له الفرصة لأن يبقى على قيد الحياة!
الآن، وبعد كل ما حدث، اقتنع مروان بأن البقاء في مونت كارلو حكم بالموت. الذين يطاردونه يعرفون الكثير عنه الآن، ولديهم الدافع لقتله. هروبه وخروجه من موناكو ثم مغادرته أوروبا سوف ينقذه مؤقتاً من المأزق إلى أن يعرف من هم الذين يسعون خلفه، ولماذا؟ ثم يخطط لتحركاته القادمة. في تلك اللحظة اختار أن يهرب من مونت كارلو.
نظر مروان خلفه، ثم تلفّت حوله فلم يجد أحداً. ذهب إلى السائق واستطاع أن ينزل ظهر المقعد ويجعله أفقياً. ثم جذب جسد الرجل ومدده على المقعد الخلفي، وخرج من السيارة، والتفّ حولها، وفتح صندوق السيارة، ووجد به بطانية وبعض الخرائط. غطّى جسد السائق بالبطانية، ووضع الخرائط في جيب المقعد. ثم فتح الدرج الأمامي، فوجد به كتيب دليل استخدام السيارة، والرخصة، وكارت التأمين، ودفتر للإيصالات، وعلبة مناديل ورقية، وعبوات صلصة. المناديل الورقية هي كل ما كان يحتاج إليه. تلفّت مروان حوله مرة أخرى ثم أخذ يمسح بقدر الإمكان أجزاء السيارة الداخلية باستخدام المناديل. جلس على مقعد القيادة بعد أن أعاد ظهره للأمام. أغلق النافذة، ثم أدار المحرّك، وهو يعدّل وضع مرآة المؤخرة. أحسّ بالألم يحرق كتفه، لكن لم يكن لديه الوقت ليفكر في ذلك الآن.
ظهرت كشافات سيارات قادمة نحوه، ورأى عن بعد مدير الفندق يخرج منه مهرولاً، ويلوّح لرجال الشرطة، ثم يشير إليه، ويصرخ فيه بصوت لم يسمعه. اعتبره أمراً بالابتعاد، وإفساح الطريق لسيارات الشرطة. تحرّك مروان من المكان بهدوء وحرص كسائق محترف واتجه ناحية الغرب.
أخذ يفكر: هل الأفضل الذهاب إلى إيطاليا أم فرنسا؟ بجيبه بعض أوراق النقد الفرنسي، وملابس أخذها من حجرة العروسين. هذا غير جوازات سفر مزورة يحتفظ بها في مرسيليا تحسباً لظروف مثل هذه كما اعتاد أن يفعل لتسهيل سفره متخفّياً أثناء المهام التي يقوم بها. يمكنه أن يصل إلى مرسيليا خلال ساعتين، وهناك يتخلص من السيارة والجثة المسجاة على المقعد الخلفي، ويستقل طائرة إلى الدار البيضاء.
هو لا يعرف أحداً في المغرب. لم يذهب إليها منذ سنوات ولم يكن في نيته أبداً الذهاب إليها، إلا أنه في هذه اللحظة لم يجد مكاناً غيرها يذهب إليه وإلى المرأة التي حطّمت قلبه.

أوقف رئيس المباحث المفتش جان كلود جودار سيارته الرينو القديمة ذات البابين، وسط تجمع كبير من سيارات الشرطة والإسعاف. بالقرب منه كانت أنوار سيارات المطافئ تضيء فوقها، وعربات التلفزيون تصوّر القصة المثيرة من أمام البناية محل إقامة رجل الأعمال المشهور رفيق رمزي.
أخذ الملازم جودار من درج سيارته مسدسه، وشارته، وخرج لتلفح وجهه نسمات نوفمبر الباردة.
جودار يعمل كمفتش مباحث في شرطة إمارة موناكو لأكثر من عشرين سنة، وأصبح رئيساً للمباحث الجنائية بها منذ خمس سنوات. رغم خبرته وتجاربه السابقة لم يشاهد جريمة مثل هذه التي جاء يحقق فيها.
الإمارة بسكانها الاثنين والثلاثين ألفاً تعتبر ثاني أصغر دولة في العالم بعد الفاتيكان. قابعة بين إيطاليا وفرنسا في مساحة لا تتعدّى الكيلومترين المربعين بين الجبال الوعرة. توجد بها أفخم وأجمل وأغلى المناطق المأهولة في جنوب أوربا. مونت كارلو كانت دائماً مسرحاً لجرائم صغيرة وأعمال سطو وسرقة ومشاكل متنوعة. لوجود نسبة كبيرة من أصحاب الملايين بها أكثر من أي مكان آخر في أوربا، فحدوث ذلك ليس مستبعداً بدافع الحقد والطمع الذي يملأ قلوب الفقراء نحو الأغنياء المقيمين فيها والمترددين عليها. لكن انفجار سيارات واغتيالات وجرائم قتل متتالية في أماكن مختلفة في يوم واحد، لم يحدث ذلك إلا الآن!
مر جودار بجوار حطام السيارة الـ Range Rover المحترقة التي كانت ما تزال في مكانها والدخان يتصاعد منها. دخل بهو البناية التي كان يقيم في إحدى شققها المليونير رفيق رمزي. استخدم المصعد للوصول إلى الطابق الذي كان مسرحاً للجريمة البشعة. خطا فوق الجثث وداس بأقدامه على طلقات الرصاص المتناثرة في كل مكان. ما أن دخل حتى وجد أمامه مساعدته الشقراء ذات الثمانية والعشرين عاماً كوليت دوڤال تلقاه في حجرة الاستقبال الكبيرة هي ومجموعة المخبرين الأكفاء الذين يعملون معه منذ سنوات طويلة. بادرته دوڤال:
"بشعة يا سيدي. جريمة بشعة جداً."
نظر إليها جودار باهتمام وسأل:
"ماذا لدينا من معلومات حتى الآن؟"
ألقى بسؤاله بهدوء شكلي ليحتفظ بمظهره كرجل متمرّس في تحقيق كل أنواع الجرائم. وقبل أن يسمع إجابة لسؤاله أخذ يتفحّص المكان الشديد الفخامة الذي لم ير مثله من قبل وقد تحطّم كل ما فيه وتناثرت الأشلاء الآدمية على قطع السجاد الثمين. أجابت دوڤال سؤاله بسؤال:
"ألم تحصل على المعلومات الأولية من ضابط الشرطة الذي أجرى المعاينة؟"
"حصلت عليها طبعاً."
"فلنبدأ بما لدينا هنا."
قادته نحو الدائرة المرسومة بالطباشير والتي يرقد في وسطها رفيق رمزي وقالت:
"دعني أقدّم لك الفقيد رفيق رمزي سليمان."
بعينين ممتلئتين بالدهشة سأل مستوضحاً:
"رفيق رمزي؟ المليونير المصري؟"
قابلت دهشته بدهشة مماثلة وهي تسأل:
"نعم هو. هل تعرفه؟"
ركز جودار نظره على الجثة وهو يستعيد ذكرياته ويقول:
"قابلته هو وزوجته في سباق السيارات الكبيرGrand Prix منذ بضع سنوات وتبادلنا الحديث لبعض الوقت. رجل عظيم. حديثه أخّاذ، ساحر، ممتع! رجل نادر! بدأ حياته هو وشقيقه من الصفر في مدينته بجنوب مصر؛ أسوان، أو الأقصر، أو سوهاج، لا أذكر تماماً. واستمرّ يعمل بجهد وكفاح، ونجح، وأصبح أغنى من فراعنة مصر القدماء. بدأ يعمل بالتعدين، ومناجم الحديد الخام، والصلب، ثم الذهب، والفوسفات، وغيرها من المعادن. بعد أن توفى شقيقه دخل سوق تجارة البترول والغاز خاصة في الصحراء الشرقية وشمال الدلتا مما جعله يحقق ثروة كبيرة جداً. كان رجلاً قوياً صاحب نفوذ، ومكانة مرموقة، وتأثيراً كبيراً في العالم العربي كله، صديق وحليف لأغلب الرؤساء والأمراء والملوك العرب. فوق ذلك كان مثقفاً، حلو الحديث، واسع المعلومات، رقيق الأخلاق، محترماً جداً."
وبعد لحظة سكون أبرقت عيناه وهو يقول:
"أما زوجته مدام كلوديت فهي في غاية الجمال والأناقة. سيدة مجتمع من الطراز الأول. من أرقى الطبقات وأعلاها شأناً."
حوّل جودار وجهه إلى مساعدته وسألها في صوت منخفض:
"وهل هي هنا؟"
هزّت دوڤال رأسها نفياً وقالت:
"ليس تماماً."
"ماذا تقصدين؟"
"تم خطفها منذ أسبوعين من صالون تجميل في باريس."
وضع يده على رأسه ثم قال في أسى:
"يا للمصيبة!"
مالت دوڤال نحوه وقالت:
"هناك ما هو أسوأ!"
"ماذا؟"
"ابنته. ابنته الوحيدة من زواج سابق قُتلت في نفس يوم اختطاف زوجته."
بدا عليه الفزع وهو يفكر في ما يسمعه. مستحيل. الزوج وابنته يُقتلان والزوجة تُختطف، ما هذه اللعنة التي حلّت بتلك العائلة المنكوبة؟"
"وكم عمرها؟"
أجابته دوڤال بسرعة:
"اثنان وأربعون عاماً."
"لا أقصد الزوجة. الابنة كم عمرها؟"
ظهر الإحراج على وجهها وفتحت مذكراتها وقرأت ما بها ثم قالت:
"بريجيت كانت في الثانية عشرة من عمرها."
هزّ جودار رأسه عدة مرات والحزن باد في عينيه، فابنته في العاشرة. طرد الخاطر والتفت إلى مساعدته يسأل:
"وهل هناك من يُشتبه فيهم؟"
كان يتمنى من كل قلبه أن يستطيع معرفة المعتدين والقبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة في أسرع وقت.
"ليس بعد."
"وهل من شهود؟"
"هناك احتمال أي يكون هناك شاهد واحد."
"من؟"
"شخص اسمه مروان عقّاد."
حوّل كل وجهه إلى دوڤال وقال بكل جدية وقوة:
"ابحثوا عنه واضبطوه وأحضروه لي."

كان مروان يقود السيارة نحو الغرب بأقصى سرعة وسط جو ملبّد بضباب وظلام يعوق الرؤية. ساعة كاملة على الطريق وهو يعاني من الإرهاق والخوف، والألم الذي يعتصر جسده، ويغشّي عينيه، ويشوّش تفكيره.
كان يتوقّع عند كل نقطة حراسة يقف بها أن يتعرّف عليه رجال الأمن، ويخرجونه من السيارة، ويقيّدون يديه، ويعيدونه مقبوضاً عليه. كل ما وقع نظره على سيارة شرطة قادمة نحوه تصوّر أن بها من يتابعه ويسعى وراءه ليقتله، إلا أن كل شيء مرّ بهدوء. هدوء غير عادي.
الوقت كان يمرّ بسرعة ولا بد أن جهات الأمن في موناكو قد بدأت تتحرّك وتحقّق فيما حدث وتبحث عنه. وتبعاً لذلك سوف تصل التحريات إلى فرنسا وإيطاليا، وتتحرّك قوات الأمن بهما أيضاً، وينضمون لمن يطاردونه. وهذا يعني أنه لن يستطيع الاختباء في أوروبا ولا خيار أمامه إلا أن يذهب إلى شمال أفريقيا. لن يستطيع أن يستخدم عبَّارة للوصول إليها فهذا يستهلك وقتاً طويلاً. عليه أن يطير إلى هناك، لكن من الحماقة أن يسافر مستخدماً اسمه الحقيقي، وهذا يحتّم عليه أن يستخدم أحد جوازات السفر المزوّرة التي أعدّها لمثل هذه الظروف، مما يضطره أن يتجه إلى مرسيليا للحصول على جواز سفر مناسب ثم يلحق بآخر طائرة إلى المغرب.
على قدر ما يتذكر، فإن آخر طائرة لشركة الطيران الملكية المغربية تقلع في العاشرة مساء. هي مغامرة لا بد منها، وعليه أن يقوم بتلك المخاطرة حتى ولو كان هناك احتمال القبض عليه في المطار. لم يكن أمامه اختيار آخر ولا مفرّ من المحاولة.
ظهرت أمامه علامة على جانب الطريق تعلن أنه باق له مائة كيلومتراً ليصل، غمغم بلعنات مكتومة وزاد من سرعة السيارة. اندفع نحو الغرب وهو يسابق الزمن على الطريق السريع A8 . كان يعرف أن في استخدام طريق عام مزدحم بالمسافرين كهذا مخاطرة كبيرة. لكن الوقت لم يكن يسمح له باتخاذ الطريق الساحلي أو الطرق الجانبية المتعرّجة الأقلّ خطورة. كان يريد أن يصل إلى المطار من أقصر الطرق وأسرعها. أخذ يفكّر ويتساءل: حتى لو وصل إلى المطار في وقت مناسب، ماذا سيفعل بالسيارة والجثة المسجاة على مقعدها الخلفي؟ وليس لديه حجز على أية رحلة طيران، ولا تذكرة، ولا حتى جواز سفر مناسب للمغامرة. بسرعة تناول التليفون وأدار رقماً في بيروت وجاءه صوت مألوف لديه:
"ألو."
"رامي. أنا مروان."
"يا رب. أهذا أنت حقاً؟ كيف حالك؟ هل كل شيء على ما يرام؟ سمعت حالاً عن أشياء رهيبة حدثت في مونت كارلو. رصاص وقنابل وغير ذلك. لم يعلنوا كل التفاصيل بعد."
"لا تقلق. أنا في أحسن حال. متاعب بسيطة فقط."
لم يكن في أحسن حال، ولم تكن متاعبه بسيطة، فالجرح الذي في كتفه كان يؤلمه بشدة، لكنه لم يشأ أن يجعل رامي يقلق. هناك أمور أخرى أكثر أهمية يحتاجها من أخيه. سأله:
"هل أنت وحدك؟"
"لا أحد هنا. عاد الكل إلى بيوتهم."
"عظيم. أنا محتاج لمساعدة."
"تحت أمرك. أنا هنا. قل... ماذا تريد؟" أخبرني أولاً بما حدث."
"انتظر قليلاً. سأخبرك بكل شيء. أحتاج أولاً لأن تحجز لي تذكرة طائرة."
"متى؟"
"الليلة."
"إلى أين؟"
"من مرسيليا إلى الدار البيضاء."
"مرسيليا؟ هل أنت في مرسيليا؟ حسبتك في..."
قاطعه مروان قائلاً:
"رامي. أرجوك. سأشرح لك الأمر بعد قليل. تذكرة سفر من مرسيليا إلى الدار البيضاء. ما هو موعد آخر طائرة الليلة؟
"الثامنة والنصف. لكني لا أظن..."
رد عليه مروان بسرعة ولهفة وقال:
"لا. لا. أظن أن هناك طائرة تقلع في العاشرة أو بعد ذلك."
لمح مروان فجأة ما يشبه سيارة شرطة قادمة نحوه من جهة اليسار فخفض سرعة السيارة ورامي على الخط يؤكد:
"صدقني يا مروان. أنا شخصياً قمت بهذه الرحلة عدة مرات. رحلة رقم 256 للطيران الملكي المغربي بالمشاركة مع إيرفرانس، تقلع في الثامنة والنصف وتصل العاشرة تماماً."
أضاءت سيارة الشرطة مصابيحها واقتربت منه. ارتبك مروان وخرجت اللعنات مندفعة من بين أسنانه بصوت عال سمعها رامي فسأله:
"ماذا هناك يا مروان؟ ماذا هناك؟"
"لا شيء. لا شيء... ابحث جيداً. أليست هناك رحلة أخرى؟"
فكر بسرعة ماذا يفعل. هذه الأنوار المتتابعة على سيارة الشرطة تعني أن عليه أن يتوقّف. وإذا توقّف، كيف يفسّر لهم وجود جثة في سيارته؟ كان يسمع بوضوح صوت أصابع رامي على الكمبيوتر في الجانب الآخر، وتصوّره يراجع كل الرحلات الجوية المقلعة من مرسيليا. وجاءه الصوت أخيراً يقول:
"آسف يا مروان. إذا أردت أن تصل الدار البيضاء الليلة فليس أمامك إلا هذه الرحلة رقم 256. هل يمكنك أن تقضي الليلة في مرسيليا وتستقل أول طائرة صباح باكراً؟"
بدأ يشعر بالانهيار وهو يقلل من سرعة السيارة وينحرف إلى جانب الطريق ويقول لأخيه:
"لا. يجب أن أخرج من هنا الليلة."
"فلا بد أن تلحق بطائرة الثامنة والنصف. أين أنت الآن؟"
كانت سيارة الشرطة تقترب بسرعة وهو يقول لأخيه:
"احجز لي عليها."
"ذهاب فقط؟"
أوقف مروان السيارة وأضاء أنوار الانتظار بها.
"لا. ذهاب وعودة."
"والعودة متى؟"
"الله وحده يعلم."
"وهو كذلك. اسمع. أما تزال محتفظاً بتلك الخزانة في مرسيليا؟"
لم يجب مروان على سؤال شقيقه، فقد كان كل تركيزه على سيارة الشرطة.
علا صوت رامي على التليفون:
"مروان. الخزانة التي استأجرتها في مرسيليا؟ هل ما زلت تحتفظ بها؟"
صاح بصوت عال:
"طبعاً. وإلا ما الغرض من ذهابي الآن إلى مرسيليا؟"
"إهدأ. إهدأ. لماذا انفعلت هكذا؟ أنا أريد أن أساعدك."
وهو في قمة التوتر أخذ يردد لنفسه: ماذا يقول رامي؟ إهدأ؟ كيف أهدأ الآن؟ ثم مدّ يده وأمسك بالمسدس الذي على المقعد المجاور له وصوت رامي يصله عبر التليفون:
"أنا فقط أريد أن أعرف أي اسم ستستخدمه الليلة؟"
"كارديل."
"جاك كارديل؟"
"بالضبط."
"حسناً. أين تحب أن تجلس؟ بجوار النافذة أم بجوار الممر؟"
لم يرد مروان عليه وكتم أنفاسه.
"بجوار النافذة أم بجوار الممر؟ مروان!"
لم ينطق بكلمة. وضع التليفون جانباً بيده اليسرى ومد يده اليمنى ليتناول المسدس. كان ما يزال يسمع شقيقه وهو يصرخ في التليفون بينما أصابعه تلتفّ حول مقبض المسدس ومعدنه البارد.
"مروان. هل أنت هناك؟"
قلبه يخفق بشدة وجبهته وامتلأت بالعرق.
"مروان!"
وفجأة مرّت سيارة الشرطة بجواره وتخطته بسرعة فائقة. لم تكن تطارده!! توقّفت بجوار سيارة پورش حمراء فاخرة تقف أمامه على بعد نصف كيلومتر. ارتجف بشدة ومرّت بجسده قشعريرة هزّت المقعد الذي يجلس عليه. لم يشعر بالراحة لمرور الأزمة بل أحسّ بطعم العلقم يملأ فمه وأنفه.
لم يصدق ما كان مزمعاً أن يفعل. أو ما كاد أن يقترفه وهو يدبّر بإصرار وإدراك وترصّد أن يقتل ضابطاً بريئاً بخسة ونذالة وعلى غرة. إصبعه كان على زناد المسدس على وشك أن يجذبه ليقتل الرجل. ماذا حدث له؟ كيف تردّى إلى هذا المستنقع؟ أإلى هذا الحدّ من الانحطاط وصل؟
في جزء من الثانية نظر مروان إلى داخل نفسه، وإلى أعماق روحه، فوجدها شديدة السواد مظلمة أكثر من الليل الذي حوله وهو مختبئ في سيارته. زاد من ارتجافه صوت رامي وهو يصيح:
"مروان. مروان. ماذا هناك؟ ماذا يحدث لك؟"
ألقى بمسدسه على المقعد المجاور في تبلّد، جفّف وجهه ويديه بمنديل ورقي وحاول استعادة أنفاسه، ثم أمسك بالتليفون، وقال بصوت مرتعش:
"نعم يا رامي. أنا معك. آسف."
ماذا حدث؟ هل أنت بخير؟"
"لا. الحقيقة أنني لست بخير. أعذرني."
وأدار محرّك السيارة وأسرع يسابق الريح على الطريق إلى مرسيليا.
شعر ببركان يكاد يتفجّر داخل قلبه. أخذ يقصّ على أخيه كل ما حدث: ما تبادله من حديث مع رفيق رمزي... مصرع الرجل وانفجار سيارة الأجرة التي كان مزمعاً أن يركبها... المعركة الدامية في فندق المريديان، والسائق المقتول، وجثته الموجودة خلفه على المقعد، والذي كان يستخدم تليفونه في الحديث معه، ثم قراره بالهروب، وكيف كاد أن يرتكب جريمة قتل منذ لحظات!
كان يتكلم ببطء، وفي صوت منكسر كأنه خاطئ يعترف بخطيئته، لكنه أيضا أراد أن يبلغ شريكه وأخاه رامي بالأحداث التي مر بها. فأخوه هو الرجل الثاني في الشركة، ويجب أن يعرف كل ما جرى، والذي لا بد سيؤثر على العمل الذي يقومان به معاً. أراد أن يوضح ويكشف لرامي كل التفاصيل ليلمّ بالموقف جيداً، ويدرك الصورة الكاملة، والظروف التي مرّ بها. ثم ختم حديثه بسؤال يحمل كل ما يختلج داخله من مشاعر:
"هل تظن أنني أخطأت؟"
"تقصد بخروجك من مونت كارلو؟"
"نعم."
بعد لحظة صمت أجابه رامي بثقة:
"أبداً. لم تخطء أبداً. لو كنت مكانك لفعلت ذلك تماماً."
"حقاً؟"
"بلا أدنى شك. لم يكن أمامك اختيار آخر."
وفي صوت ينبض بعواطف جياشة وكلمات مترددة سأله:
"ودورية الشرطة، لو أوقفتك ماذا كنت ستصنع؟"
أخذ رامي يهدّئ من روعه وهو يقول:
"أحمد الله وأشكره أنها لم تصل إلى ذلك."
لم يكن مروان في حال يسمح له أن يحمد الله ويشكره، بل بالعكس، كان غاضباً منه لسنوات عديدة. كان في داخله غضب من الله، ورفض لما يحدث له، حتى أنه لم يعد قادراً أن يردد أية صلوات تعلّمها في طفولته... يوماً بعد يوم قلَّت، وتباعدت، حتى توقّفت تماماً. لديه أسئلة كثيرة لا يجد لها إجابة عند الله. لديه جروح لم تلتئم. فَقَدَ كلَّ من أحبّه من الناس. لم يبقَ له إلا شقيقه رامي، وها هو الآن يرى كل ما حققه من أعمال يضيع، وشركته تنتهي بسبب تلك الأحداث الأخيرة. كل شيء ينهار ويتحطم وينتهي. قال لرامي في إحباط:
"هذا سوف يجرفنا إلى القاع. ما حدث سيغرقنا."
"أو يقتلنا."
تقلّصت أمعاؤه داخله وهو يسمع كلمات أخيه. رامي على صواب. عنده كل الحق. وهو السبب. هو الذي وضع شركته وأخيه في هذا الموقف التعس. كان دائماً هو الذي يدافع عن أخيه ويحميه. هو الآن يجرّ نفسه وإياه إلى خطر عظيم، ومستقبل مروع، ومشاكل لا حصر لها. قال في صدق:
"آسف يا رامي. لم أكن أقصد أن أصل بك إلى هذه النهاية."
لم يكن رامي مستعداً أن يسمع ذلك فقال بصوت كله حماس:
"هيه. لا تقلق عليّ أبداً."
"لكني فعلاً قلق عليك."
"مروان. إسمع. أنا لست قلقاً مما حدث. وأنت يجب ألا تقلق أيضاً. لقد مررنا بظروف أسوأ من هذه."
زفر مروان ما بقلبه من حزن وألم وهمّ وخوف وتوجّس وقال:
"لا أظن يا أخي الصغير. لا أظن."

كانت طائرات الشرطة المروحية تحوم فوق المدينة. أُقيمت نقاط تفتيش على كل الطرق التي تقود إلى مونت كارلو لمراقبة وفحص جميع الداخلين إليها والخارجين منها. كل سيارة، وتاكسي، وحافلة، وقطار كان عرضة للتفتيش الدقيق. وكذلك الفنادق جميعها الكبيرة والصغيرة، والمستشفيات، والعيادات الخاصة. أُغلق الميناء وكذلك المطارات الخاصة الموجودة في أنحاء موناكو. وأُخطر المسئولون في مطار نيس - أقرب المطارات المفتوحة بقرب مونت كارلو والذي يحمل المسافرين منها وإليها - وكُلِّفوا بتدقيق وتكثيف عمليات تفتيش الركاب.
مع جميع هذه الإجراءات الأمنية لم يظهر أثر لمروان عقّاد الشاهد الوحيد للجريمة التي هزّت المدينة الشاطئية الصغيرة، ولا أي خيط يقود إلى القناص أو القناصة الذين اغتالوا رفيق رمزي. هزّ مفتّش المباحث جون كلود جودار رأسه في حيرة وهو يخطو إلى الشرفة. تنفّس هواء الليل المنعش، ونظر إلى أمواج البحر التي تصدم برفق الجدران الخرصانية لأرصفة الميناء، وقد بدأت القرحة تحرق جدار معدته. اقتربت منه مساعدته كوليت وقالت وهي تمدّ إليه صورة كبيرة حديثة ما تزال ألوانها تلمع في ضوء الشرفة الخافت وتقول:
"هذه هي الصورة التي طلبتها."
"التي التقطتها كاميرا الحراسة في المدخل؟"
"نعم. الجميع جاهزون لك يا سيدي."
تناول الصورة وأخذ يدقّق النظر فيها وقال:
"لحظة من فضلك."
كانت صورة مروان عقّاد واضحة أمامه. شاب طويل وسيم، إلا أن وسامته لم تكن صارخة مثل عارضو الأزياء أو نجوم السينما. جلده به سمرة خفيفة، وشعره أسود قصير، وتبدو ذقنه في الصورة محلوقة بعناية، ناعمة ونظيفة. بلا شوارب أو سوالف. أنف دقيق، وذقن قوي، وجسم رياضي متناسق. لم يجد جودار في ملامح مروان شيئاً ملفتاً للنظر غير ذلك. لا آثار جروح، ولا علامات مميّزة تجعل التعرّف عليه وسط أي تجمّع بشري سهلاً. نموذج لرجل حراسة محترف.
أكثر ما لفت نظر جودار في الصورة هما عيناه. عينان واسعتان لونهما بني مشحونتان بدفء لم يكن يتوقّعه. حادتان طموحتان، تعكسان مزيجاً من الشموخ والعزة والزهو. لفت انتباهه شيء آخر جعله يدقق النظر في الصورة باهتمام. شيء لم يستطع أن يتبيّنه جيداً. لم يقدر أن يحدّده، ولا يستوعبه أو يدركه في عينيه. ركّز في الصورة وغاص في العينين محاولاً أن يصل إلى معرفة هذا الشيء. حزن صامت وألم خفي ممزوج بكبرياء وتعالي أو شيء من هذا القبيل حيّر جودار. التفت إلى دوڤال وقال لها في لهجة أمر:
"وزّعي هذه الصورة على رجالنا في كل مكان، وابعثي بها إلى محطات التليفزيون لعرضها على المشاهدين على أنه شخص مطلوب للتحقيق معه."
"سمعاً وطاعة يا سيدي."
"وضعوا مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه."
"كم؟"
"ماذا بقي لدينا من حساب المكافآت؟"
"مائة على ما أظن."
"حسناً. استخدموا الرصيد. مائة ألف يورو لأية معلومات تقودنا للقبض عليه وحلّ لغز هذه الجريمة الغامضة. وبلّغي كل ما حصلنا عليه من بيانات إلى شرطة الإنتربول بسرعة."
"حالاً يا سيدي."
خرج جودار من الشرفة ودلف إلى مكتب صغير في غرفة النوم حيث أراه أحد المخبرين صوراً أخرى من كاميرات الحراسة. أدهشه ما رآه من مظاهر القلق المنعكس على عيني رفيق رمزي وهو يتحدث مع مروان، أما مروان فيبدو هادئاً. وبينما هو يتابع الصور على الشريط رأى شيئاً فصاح:
"انتظر. أوقف الشريط."
مال للأمام وهو يدقق النظر، والمخبر يُرجِع الشريط للخلف.
"هنا. حسناً. أعد من هنا. من هنا."
كان مروان يسلم رفيق مظروفاً كبيراً أصفر اللون، وكان التعبير الأول على وجه رفيق يظهر صدمة، وبعد ذلك... ما هذا؟ ما الذي يبدو عليه بعد ذلك؟ أهو غضب أم ماذا؟ حقد واحتقار وازدراء؟ شيء من ذلك كله. سأل جودار المخبر الذي يعرض الفيلم:
"ما هذا؟ أترى ذلك؟ ما الذي أخرجه من المظروف؟"
"لا أرى جيداً. مسيو عقّاد يقف أمام الكاميرا ويعوق الرؤية."
"هل هناك زاوية أخرى تجعل الصورة أوضح؟"
"لا يا سيدي. هذا كل ما لدينا."
"هل هي صورة؟ تلك التي أخرجها من المظروف؟"
"قد تكون كذلك."
"هل يمكن أن تقرّب الصورة أكثر؟"
"لا أستطيع ذلك هنا، ممكن في المعمل. لو أردت نقوم بتقريبها في المعمل."
"نعم. إفعل ذلك. قرّب الصورة وركّزها لعل ذلك يوضح هذا الشيء الذي أخرجه من المظروف. وافعل ذلك بسرعة."
تلقّى المخبر أمر جودار وقال: "أمر سيدي."
الحقيقة التي لا يستطيع أن ينكرها هو أنه لا يطيق أبداً مارسيل لومييه. هذا ما كان يجول بخاطر جودار طول الوقت. مجرد التفكير في أن عليه أن يتكلم معه من جديد، ويعمل معه مرة أخرى قلب معدته. لكن لا مفر من ذلك، فهذا الرجل مارسيل لومييه هو الذي يدير التحقيق في قضية خطف كلوديت ومقتل زوجها رفيق رمزي. لا بد من إخطاره بما حدث. واجبه أن يخبره ولا بد أنه سيقوم بمعاينة مكان وقوع الجريمة، وشرائط الفيديو التي التقطتها كاميرات الحراسة داخل بيت رفيق. ولا بد أن يعرف كل شيء عن مروان عقّاد الذي يعتبر حتى الآن الشاهد الرئيسي الذي لديهم إذا أمكن التوصل إليه طبعاً.
ما يضايقه أكثر أنه على المستوى العام للدوائر البوليسية في أوروبا، فإن لومييه يُعتبر أسطورة، فقد استطاع أن يكشف أسرار جرائم كبيرة غامضة من قتل، إلى خطف، إلى سطو على البنوك. تدخّل وعالج قضايا لرجال أعمال مرموقين، وأصحاب ثروات، وكثيرين ممن في مراكز القوة والنفوذ والسلطة.
برغم ذلك كله، فإن جودار لا يطيقه من قريب أو بعيد. عمل معه في قضيتين سابقتين تركتا لديه آثاراً سيئة. أول مرة كانت عام 2000 حين كان أحد الساسة الفرنسيين يقضي إجازته في مونت كارلو ولم يُعثر عليه لمدة ثلاثة أيام. تلقّت زوجته طلب فدية إلا أن السلطات العليا في فرنسا نصحتها بألا تدفع. بعد ذلك عثر جودار ورجاله على جثة الرجل ملقاة على الشاطئ، وفي نفس اليوم، وبعد ساعات قليلة تم العثور على مضيفه بأحد الكازينوهات قتيلة في شقة بشكل يوحي أنها قد انتحرت. هل من علاقة بين الجريمتين؟ بدأ جودار التحقيق مع كل أصدقاء ومعارف وجيران الفتاة، وبعد ثمان وأربعين ساعة استطاع أن يربط بين الحادثين بعد توفر أدلة قوية على ذلك، وتمكن من تحديد ثلاثة متهمين لم يستطع أحد منهم أن يثبت أنه كان بعيداً عن موقع الجريمتين خلال الأيام الثلاثة وقت حدوثها. قضية محكّمة وأدلّة دامغة لا يرقى إليها شك. إلا أن لومييه تدخّل وأقحم نفسه في القضية وانتزعها منه لا ليعالجها ويقدم المتهمين للمحاكمة، بل ظل يطيل ويتشعب في تحقيقات كثيرة لا داعي لها مما عقّد الأمر، وأضاع الأدلة، وشكك في إجراءات الضبط والتحقيق، وخرج المتهمون من السجن، ونجوا من العقاب. وأثناء ذلك كان لومييه يتصرف معه ومع معاونيه بكل غرور، وكبرياء، واستهانة، وتحقير. وبعد وقت طويل أعلن أن الأدلة غير مقنعة، والقضية غير قابلة للحل، وقيّدها ضد مجهولين، وعاد إلى باريس تاركاً جواً من الاستياء والسخط والازدراء.
المرة الثانية التي التقى فيها بلومييه كان عام 2003، حين جاء إلى مونت كارلو رجل فرنسي من أقوى وأكبر رجال الملاحة وأعمال الشحن والسفن هو وأولاده، وقام بجولة باليخت الفاخر الذي يمتلكه، والذي اشتراه حديثاً بمبلغ خمسة وعشرين مليون دولار. خرج به من ميناء مونت كارلو في رحلة بحرية قصيرة في مياه البحر الأبيض المتوسط. ما يزال جودار يذكر الموضوع كأنه حدث بالأمس. تلقى مكالمة تليفونية عاجلة وهامة في السادسة صباحاً أربكت زوجته وأوصلتها إلى أقصى درجات الانفعال والتوتر. أثار الحادث وسائل الإعلام وجعلها تتابع الأحداث دقيقة بدقيقة وتعرض التطورات على كل القنوات التليفزيونية كما أصدرت الجرائد طبعات متتالية وإضافية تحمل عبارات مثيرة بالخطوط العريضة والمانشيتات الكبيرة.
لم يكن هيناً اختفاء شخصية بارزة هامة كهذه، وصديق مقرّب لرئيس الوزراء الفرنسي، كأنه تبخّر في الهواء. لم يوجد له ولا لأحد من أبنائه المصاحبين له أثراً. بلا جثث. بلا دماء. بلا أدلة من أي نوع. وبالرغم من ذلك كله كان المسئولون في كل مواقع السلطة يتعجلون الحل. وعلى مدى أيام استمرت الصحف الفرنسية تنتقد بعنف شرطة مونت كارلو وتتهمهم بالبطء والتخاذل والإخفاق. قضى جودار أياماً عصيبة وهو تحت ضغوط شديدة ليقدم نتائج سريعة وأدلة تساعد على حلّ اللغز. كان يفتش عن أي شيء، بصمات أصابع أو شهود عيان، أو أي شيء يظهر تقدماً في التحقيق. لم يستطع تناول الطعام، أو النوم وهو يدفع رجاله دفعاً، ويسوقهم بعنف حتى أرهقهم وأرهق نفسه وسقط منهاراً ودخل المستشفى للعلاج. وأخيراً جاء الفرج الذي كانوا ينتظرونه على أحرّ من الجمر ويصلون لأجله. اكتشف جودار أن الأبناء كانوا مديونين لرجل ظنوا أنه من رجال المال وصاحب بنك روسي، لكنه اتضح أنه من رجال المافيا السوڤييت. وقد وصل جودار إلى اكتشاف أن هذا الرجل الروسي يمتلك شقة في مونت كارلو، وأمكن التعرّف عليه وهو يجول في المدينة قبل الحادث. كما ظهر أن اثنين من شركائه كانوا يسيرون صباح يوم الاختفاء بجوار الميناء يسألون عن مكان لتأجير أحد القوارب السريعة... ابتدأت الخيوط تتجمّع وخفايا المؤامرة تنكشف. اتصل بالمسئولين وطلب الحصول على إذن بالذهاب إلى موسكو لمتابعة تطور القضية، إلا أنه فوجئ برفض طلبه!
بعد أقل من ساعة، وبالتحديد خمسة وأربعين دقيقة، دخل لومييه مكتبه ليعلن تحويل القضية إليه وليطلب كافة المستندات الخاصة بها. أبدى جودار احتجاجه إلا أن رؤساءه رفضوا اعتراضه.
وفي اليوم التالي طار لومييه بدلا من جودار إلى موسكو، ومرة أخرى تحولت القضية، وتبدلت الأمور، وأخذت الأحداث تتعقّد وتتخبط وتنهار. اختفى شركاء رجل الأعمال الروسي فجأة وبطريقة مريبة. وقدم الرجل ادعاءات واعتراضات خادعة وملتوية ومثيرة، لم يرفضها لومييه أو يعترض عليها أو يواجهها بحزم، بل بالعكس، أطلق سراح المتهمين المتورطين في القضية وعاد إلى باريس معلناً أنه لن يغلق ملف القضية تاركاً بصيصاً من الأمل في إمكان حلها.
وزاد الطين بلة أن رجل الأعمال الروسي تلقى اعتذارات رسمية من حكومات كثيرة ومن جودار نفسه عما حدث. ونال جودار من جراء ذلك لوماً، وتم خصم أجر أسبوع من مرتبه بسبب تشويه مشين لسمعة صديق كريم لإمارة موناكو دون وجه حق.
وها هو مارسيل موريس لومييه يعود، أكثر رجال المباحث في أوروبا غروراً وعجرفة وغطرسة.
لحقت دوڤال بجودار في الشرفة وسلمته التليفون وهمست:
"هذا هو."
ضغط جودار على عينيه بشدة ثم تناول التليفون وقال:
"المفتش لومييه. أهلاً. يسرني أن أتحدث إليك مرة أخرى."
ورد الصوت الأجش يقول في كلمات جافة غير مهذبة:
"إنك تفسد عليّ يوم إجازتي."
"آسف. أعذرني يا سيدي. لا سبيل أمامي إلا الاتصال بك فعندي بعض الأخبار السيئة جداً."
أسرع لومييه بالرد:
"وهل هناك أسوأ من سماع صوتك؟"
جزّ جودار على أسنانه في غيظ من هذا الرد المستفز وقال:
"يؤسفني أن أبلغك أن رفيق رمزي قد قتل."
بعد لحظة صمت جاء صوت لومييه:
"رفيق رمزي رجل الأعمال، المليونير المصري؟!"
"هو بعينه يا سيدي."
ثم أخذ جودار يشرح ظروف مقتل رفيق رمزي وما حصل عليه من معلومات. بعد أن قال ذلك بكل ما أمكنه من إيجاز جاءه سؤال لومييه:
"هل من متهمين؟"
"ليس بعد. لكننا بدأنا التحقيق والبحث وأظن أنك تستطيع أن تساعدنا في ذلك."
"هل من شهود؟"
"نحن نمشط المنطقة كلها باحثين عن شهود. هناك رجل اسمه مروان عقّاد يمتلك شركة خاصة للأمن والحراسة. كان موجوداً مع رفيق رمزي أثناء إطلاق الرصاص. يبدو أن رفيق رمزي كان يحاول أن يستعين به ليتولى حراسته. ونأمل أن يكون قد كشف له عن مخاوفه وما يمكن أن يساعدنا على إلقاء الضوء للتعرّف على من قاموا بقتله وأسباب ذلك."
وجاء صوت لومييه عالياً على التليفون:
"ماذا تقصد بنأمل هذه؟ ألم تستجوبه بعد؟"
"في الحقيقة لا. ليس تماماً."
كان متردداً ولا يعرف كيف يجيبه فبادره قائلاً في تحقير وازدراء:
"حسناً. سأسأله أنا بنفسي. سأذهب حالاً إلى المطار. كلف أحداً بأن ينتظرني في مهبط الطائرات المروحية بعد عشرين دقيقة."
"عشرون دقيقة. ألست في باريس؟"
"لا. أنا في نيس."
قال ذلك بسخط وضيق وكأن جودار يعرف أين هو أو كان عليه أن يعرف أين يكون. لماذا لم تخبره دوڤال بأنه في نيس؟ هي تعرف أنه يكره المفاجآت. ما هذا الاستهتار؟ سوف يحاسبها على ذلك. لا بد من ذلك.
لكن ليس الآن. الآن لديه مشكلة عاجلة. أجاب قائلاً:
"وهو كذلك مسيو لومييه. سوف أرسل حالاً أحداً لينتظرك ويأتي بك إلى شقة رفيق رمزي. لكنني لا أستطيع أن أعدك بترتيب لقاء لك مع مروان عقّاد بعد."
"لماذا؟"
"مروان غير موجود. اختفى."
صرخ لومييه:
"اختفى؟"
أخذ جودار نفساً عميقاً، فهذا الخبر كان آخر ما يريد أن يبلغه لأحد خاصة لومييه. قال في استسلام:
"نعم. أخشى أن هذه هي الحقيقة يا سيدي. لقد انتهز مروان ما حدث من ارتباك واضطراب وفوضى فغافل الجميع وهرب. لكننا نحاصر المدينة كلها جيداً وسوف نجده ونقبض عليه في أسرع وقت ونستوجبه. نحن نعرف أنه يعتبر أهم شاهد لدينا. هو الشاهد الوحيد."
لم يُسرّ لومييه بتبريرات جودار ولا تعهداته فقال بتأنيب وحزم:
"لا يا جودار. يا مسيو جودار. أنت مخطئ. مروان عقّاد ليس شاهداً. ليس شاهدنا المهم أو الوحيد. مروان عقّاد متهم. متهم بالقتل."
سأل جودار في دهشة معلقاً على قرار لومييه الغريب:
"متهم؟ كيف؟ نحن لا نعرف شيئاً عنه. لا نعرف من هو ولماذا جاء إلى هنا؟ لا نعرف شيئاً أبداً."
صرخ لومييه في التليفون:
"إعرفْ. يجب أن تعرف كل شيء. ابحثْ بسرعة واعرفْ. أصدر أمراً بالقبض على مروان عقّاد حالاً. وكلف كل الجهات بالانتباه والتيقظ من ميلان إلى مرسيليا. لا أريد أن يفلت منا هذا الرجل. وإلا."
توقّف قليلاً ثم أطلق تهديده:
"وإلا أؤكد لك يا مسيو جودار: رؤوس كثيرة ستسقط. وأول تلك الرؤوس. رأسك أنت."

بدأت السماء تمطر. ضغط مروان على محرك ماسحات الزجاج، وصلى إلى الله - مع أنه لم يكن يؤمن أو يثق به - ألا تنزلق السيارة من الطريق إلى الهاوية التي على الجانبين. فجأة انطلق صوت جرس التليفون وسط السكون فانتفض وأمسك به.
"هالو."
"مروان. هذا أنا. رامي. هل وصلت؟"
"ليس بعد."
نظر مروان إلى ساعته، ثم إلى الخريطة المفتوحة بجواره، وبدأ يشعر بمعدته تتقلّص من الألم. الساعة قرب السابعة والنصف وهو يقترب من مشارف مدينة مرسيليا... قال لأخيه:
"لا أظنني سأنجح يا رامي."
"مروان. لا بد من ذلك. لا بد. ليس أمامك سبيل آخر. أنا أستطيع أن أخرجك من أي مكان بالمغرب. لكنني لن أستطيع أن أخرجك من سجن في فرنسا. كم باق عليك لتصل؟"
"خمسة كيلومترات أو عشرة. لكن انظر إلى الساعة."
"أعلم. أنا أعلم أنها السابعة والنصف عندك. لكن هناك أشياء يتحتم عليك أن تعملها قبل أن تصل إلى المطار."
"أشياء أعملها؟ ماذا؟"
"نبدأ بالتليفون. قلت أنه خاص بالسائق."
"نعم. هو ملك السائق."
"وطلبتني بواسطته مستخدماً مجمع اتصالنا اللاسلكي في براچ. أليس كذلك؟"
"هذا صحيح."
"حسناً. بذلك لن تستطيع الشرطة تتبع المكالمات وتصل إلى... لكنهم لا بد سيحاولون. لذلك لا يجب أن تحتفظ به ولا تستخدمه بعد ذلك. بمجرد أن تنهي مكالمتك معي الآن ألقِ به حالاً. لا. لا. الأفضل أن تحفر حفرة وتخفيه فيه. هل فهمت؟"
رد مروان على تعليمات رامي وهو يفكر ويسترجع ما قاله له:
"فهمت يا رامي."
واستمر أخوه يشرح له ما عليه أن يعمل بتفصيل وتدقيق. قال:
"وحين تصل إلى الدار البيضاء اشترِ تليفوناً هوائياً محمولاً جديداً. استخدم النقد. لا تقتّر ولا تبحث عن واحد رخيص الثمن. اشترِ تليفوناً حديثاً غالياً يصعب متابعة المكالمات عليه. اشتره نقداً.“
"وهو كذلك."
"ولا تستخدمه إلا في الاتصال بي أنا وحدي. لا أحد غيري. أبداً. فاهم؟"
"فاهم."
"مروان. أنا جاد فيما أقول. لا بد أن تسمع كلامي وتنفذه بدقة تامة. أنت الآن متعب وقد مررت بأحداث كبيرة. لست في كامل قواك الليلة. لا بد أن تتوخّى الحذر. لا تستطيع أن تتحمّل تبعة أي خطأ. وحتى تمرّ من هذه الأزمة تصرّف بهدوء وحرص وحذر. لا تتصل بأي من أصدقائك. ولا من معارفك أو مَن اعتدت اللقاء بهم واللهو معهم. لا تعمل شيئاً اعتدت أن تفعله في الماضي. هل تسمعني؟"
"أسمعك. وما تطلبه سهل فأنا لا أعرف أحداً في المغرب."
وتنفّس رامي براحة حتى سُمع صوت زفيره عبر التليفون، ثم قال:
"عظيم. نفّذ ما قلته لك."
لم يكن رامي يعرف أن رانيا قد تركت باريس، وانتقلت إلى الدار البيضاء، ولم يكن مروان في حال تسمح له أن يخبر أخاه بذلك. واستمر حديث رامي:
""إسمع. هناك شيء هام وأكيد. ظنونك في كلوديت رمزي من جهة خطتها للاستيلاء على أموال زوجها يبدو أنها صحيحة. هي تقيم الآن في ساو پاولو وتقوم بإجراء تحويلات برقية للأموال مما يجعل احتمال أنها وراء ذلك كله كبيراً. وهذه أخبار جيدة. فنحن نعلم الكثير عنها الآن."
صمت مروان يفكر في ما قاله أخوه ثم سأل:
"وما هي الأخبار السيئة؟"
كان المطر ينهمر بشدة وبلا توقف في مرسيليا، وألم الجرح في كتفه يزداد ويتضاعف مع كل دقيقة تمر. أجابه رامي:
"الأخبار السيئة هي أنهم يعرفون عنك أيضاً أنك تعرف وأنك قد كشفت مؤامرتهم وتتابع اللعبة وراءهم."
"لا أفهم كيف وصلوا إلى معرفة ذلك. فأنا الوحيد الذي لديه هذه المعلومات. طبعاً هناك مصادري الموثوق بها في زيوريخ وساو پاولو."
"لعل أحدهم عميل مزدوج خدعك؟"
"لا أظن. فأنا أتعامل معهم منذ خمسة عشر عاماً على الأقل."
"إذاً فالتليفون الذي تحدث فيه رفيق رمزي معك كان مراقَباً وعليه جهاز تنصّت."
"الذي في مونت كارلو؟"
"لا... الذي في باريس."
فكّر مروان قليلاً ثم سأل:
"ومن الذي وضع الجهاز لمعرفة اتصالات رفيق رمزي؟ شركة الحراسة الفرنسية؟"
"أو الشرطة. الأمن. ألم يقل لك أنه يشك في أن هناك من يتجسس عليه ويتابع تصرفاته من البوليس؟"
عندك حق."
"حسناً."
استوعب مروان الصورة، وأدارها في ذهنه، ومال لتصديق ما قاله شقيقه. وجاءه صوت رامي يسأله من جديد:
"ماذا قلت لرفيق رمزي حين تحدث معك بالتليفون من باريس ذلك اليوم؟ هل كلمته عن الصورة التي معك؟ هل ذكرت له ساو پاولو؟"
رد عليه مروان بسرعة قائلاً:
"لا. لا. لم نتكلم في ذلك حينئذ. كل ما قلته له أن لدي أخباراً هامة وعاجلة، وأنني أحتاج أن أراه بسرعة في أي مكان بعيداً عن باريس."
"وهل اقترحت أن تراه في مونت كارلو؟"
"لا. هو الذي اقترح مونت كارلو."
"وبالطبع أعطاك كل تفاصيل المكان والوقت الذي ستلتقيان فيه."
"هذا صحيح."
"آه. هكذا عرفوا كل شيء. التليفون كان تحت المراقبة وعليه جهاز تنصّت."
فكر مروان في ما قاله شقيقه ووجده منطقياً ومقنعاً ليعرف مطاردوه مكان ووقت اللقاء مع رفيق رمزي. ثم بادر بالقول:
"لكن الذين استمعوا للمكالمة لم يعرفوا ما كان لديّ من أخبار ومعلومات. كل ما سمعوه أن لديّ شيئاً هاماً خطيراً. صحيح أنه مهما كان ما لدي فهو لم يكن في صالحهم. وهذا ما جعل كلوديت وشركاءها يقلقون ويتوجسون ويفكرون في إنهاء العملية جميعها فجأة. ألا تظن أن ذلك ما حدث؟"
"تماماً. وهذا جعلهم يسعون لا أن يتخلصوا من رفيق رمزي فقط. بل منك أنت أيضاً معه."
"وهذا يبرر ما حدث بعد ذلك من اعتداءات في مونت كارلو بعد أن عرفوا أنني ما زلت على قيد الحياة. وما يحدث الآن بعد فشلهم في قتلي هناك."
جاء صوت رامي متفقاً مع مروان وأضاف:
"معنى ذلك أنهم يشعرون بالخوف منك وأنهم لن يستريحوا إلا بعد القضاء عليك تماماً وقتلك."
"هذا صحيح فعلينا أن نعثر عليهم نحن قبل أن يصلوا إلينا."
"وكيف سنعثر عليهم؟"
قال مروان:
"أولاً: نرسل مجموعة من رجالنا إلى ساو پاولو في أول طائرة مسافرة إلى هناك. لا بد أن نجد كلوديت رمزي قبل أن تهرب. وبمجرد أن نجدها ستقودنا إلى الباقين."
"هذا صحيح. أنا معك في كل ما قلت."
"ثانياً: نبحث عمّن يجري التحقيقات في مونت كارلو ونتأكد منه وهل هو أمين ويتجه في بحثه إلى هذا الاتجاه أم هو شخص لا يمكن الوثوق به."
"فهمت. وماذا أيضاً؟"
سأل مروان أخاه:
"هل لديك معارف أو اتصالات في باريس؟"
"عندي صديق يشغل مركزاً كبيراً في المباحث الجنائية الفرنسية التقيت به عندما كلفتني بأن أفتح فرع الشركة في باريس قبل أن تذهب أنت وتستقر هناك. له موقع مرموق وهام، وله نفوذ يعتد به، وله اتصالات واسعة، ومعارف في كل هيئات الحكومة. وفوق ذلك كله فهو مدين لي بمعروف كبير صنعته معه."
قال مروان في حماس:
"عظيم. ابحث عما إذا كان قد سمع شيئاً عما نحن فيه. احذر يا رامي. توخى الحرص ولا تندفع، فنحن لا نعرف جيداً من هم الذين يقفون ضدنا ويحركون بأصابعهم المدربة جيداً كل هذه الأحداث."
"لا تقلق. صديقي هذا ذكي وكتوم وحذر، ويمكن الوثوق به."
"لا بد أن يكون كذلك."
استمر انهمار المطر وزادت شدته، وانخفضت حرارة الجو بشكل ملحوظ وبسرعة، لكن مروان رأى على الطريق علامة تشير إلى المنفذ الذي يؤدي إلى المطار. ولم يكن بعيداً.
"الأفضل أن أذهب الآن يا رامي. اقتربت من المطار."
"حسناً. حافظ على نفسك ولا تجازف. كلمني خلال الأيام الثلاثة القادمة."
"وهو كذلك. خلال ثلاثة أيام."
وقبل أن ينهي المكالمة نادى:
"رامي."
نعم يا مروان."
"شكراً لك."
"تشكرني؟ نحن إخوة أشقاء. وهذا أقل شيء يعمله الأشقاء."

قاد مروان السيارة إلى ساحة الانتظار بالمطار في تمام الساعة الثامنة مساء. ذهب إلى جانب مهجور في الجزء الخلفي من الساحة وأوقف السيارة هناك. ومسح بصمات أصابعه التي كانت عالقة بداخل السيارة، وتناول حقيبة الملابس من على المقعد، وألقى بالمفاتيح والمسدس والتليفون المحمول في صناديق قمامة متباعدة، وأسرع ليلحق بالطائرة.
دخل إلى صالة السفر في الساعة الثامنة واثنتا عشر دقيقة. كان يسير بسرعة لكن بشكل لا يلفت الأنظار، وذهب إلى حيث الخزانة التي يستأجرها بالمطار. فتحها وأمسك بمجموعة من جوازات السفر المزوّرة، ومجموعة من كروت الائتمان اثنان لكل اسم من الأسماء على الجوازات، وبعض أوراق النقد ذات الفئات الصغيرة من اليورو. وأخذ مجموعة من الملابس الداخلية، وزوج عدسات للعين تجعل عينيه تبدوان خضراوين بدلاً من لونهما البني، وحقيبة من النوع الذي يعلق على الظهر. أغلق باب الخزانة، وأل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيل
المدير العام
المدير العام
أسيل


عدد المساهمات : 153
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 02/11/2009
العمر : 30
الموقع : elama.yoo7.com

تابع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع   تابع Emptyالجمعة أكتوبر 01, 2010 12:48 pm

شكرا لك ننتظر منك النهاية (نهاية القصة)
مشكورة على مجهوداتك عزيزتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elamaa7larab.net
 
تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اللمة العربية :: الاداب وثقافة :: القصة والرواية-
انتقل الى: